سورة البقرة - تفسير التفسير القرآني للقرآن

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (البقرة)


        


{الم (1)}.
التفسير:
فى القرآن الكريم تسع وعشرون سورة، بدأت بحرف أو أكثر من حروف الهجاء، وكل حرف ينطق به نطقا مستقلا مرتلا، هكذا:
ألف.. لام.. ميم.. أو: طا، ها، أو: ياسين. وعلى هذا النحو تنطق جميع الحروف التي جاءت مفتتحا لسور القرآن.
وقد شغلت هذه الحروف علماء التفسير، فأطالوا النظر فيها، وأكثروا القول في تأويلها وتفسيرها، حتى لقد تجاوزت وجوه الرأى فيها أربعين وجها! والمفهوم الذي نستريح إليه لهذه الأحرف، أنها مجرد حروف هجاء، مما بنيت منه كلمات القرآن الكريم، وآياته، وسوره، وأنها حين يبدأ بها في التلاوة هكذا.. حرفا حرفا، آخذا كل حرف نغما مستقلا على لسان القارئ- ترسم لمرتل القرآن أسلوبا خاصّا في التلاوة، فيقرأ الكلمات قراءة مستأنية، يأخذ فيها كل حرف مكانه على لسان القارئ، كما أخذت حروف هذه المفتتحات وضعها المستقل على لسانه! في أناة وتقطيع.. حرفا حرفا!
وبهذا يتحقق الأداء السليم لتلاوة القرآن، كما يقول اللّه تعالى: {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا} [4: المزمل].
إن العرب الذين نزل القرآن بلسانهم، هم قوم أميون، تلقّوا لغتهم سماعا، وحفظوا كلماتها وأساليبها، أصواتا تحمل من المعاني ما تحمل أنغام الموسيقى إلى أربابها! فالعربى كان يعرف الكلمة جملة، كما كان يعرف مدلولها الذي تدل عليه جملة أيضا، بل إنه يعرف مدلول الكلمة أكثر مما يعرف الكلمة ذاتها، فإذا نطق بكلمة: سيف أو درع أو جمل أو ليلى أو نحو هذا، ارتسم في الحال لعينيه مدلول الاسم الذي نطق به، دون أن يلتفت كثيرا إلى الصوت الذي انطلق من فمه! وإذ كان حساب الكلمات عند العرب الجاهليين على هذا النحو، الذي تبدو فيه الكلمات وكأنها مجرد أصوات! وإذ كان ذلك كذلك، وإذ كان القرآن الكريم كلاما معجزا، فإن وجه الإعجاز لا ينكشف في كلماته وآياته إلا إذا تحقق للكلمة وجود ذاتى، وعرف لها ناطقها وسامعها أنها كائن له مشخصاته، التي تحقّق له وجودا مستقلا عن غيره، مباينا له، كما يستقل الإنسان عن الإنسان بذاته ومشخصاته.
وعلى هذا التقدير، تحدث القرآن الكريم إلى هؤلاء الأميّين بما يكشف لهم عن شخصية الكلمة، وأنها بناء يقوم على أسس، ويبنى على أصول، وأن لبنات هذا البناء هى حروف: ألف، لام، ميم، نون، قاف.. وهكذا.
وبهذا النظر إلى الكلمات، ينطق العربىّ بكلمات القرآن الكريم متأنيا، متأملا، حتى لكأن الحرف كلمة! وبهذا يتصل قارئ القرآن بكلمات القرآن اتصالا وثيقا، يخلص إليه منه كثير من أضوائه ونفحاته، وذلك هو بعض الحكمة من ترتيل القرآن، وقراءته على هذا الوجه الذي ينفرد به عن قراءة أي كلام، حيث يقول اللّه تعالى: {وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا} [4: المزمل] ويقول سبحانه: {وَقُرْآناً فَرَقْناهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلى مُكْثٍ وَنَزَّلْناهُ تَنْزِيلًا}! (106: الإسراء) وقد امتثل النبي الكريم- صلوات اللّه وسلامه عليه- أمر ربّه، فكانت قراءته ترتيلا منغما، يأخذ فيه كل حرف مكانه في الكلمة، وتأخذ كل كلمة مكانها في الآية، دون أن يختفى حرف، أو تضيع كلمة.
روى البخاري عن أنس، أنه سئل عن قراءة رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم، فقال: كانت مدّا، ثم قرأ- أي أنس- {بسم اللّه الرحمن الرحيم} يمدّ اللّه، ويمدّ الرحمن، ويمد الرحيم، أي أنه يمثّل بهذا الأسلوب القراءة التي كان يقرأ بها النبي الكريم.
وعلى هذا، فإن مجىء هذه الأحرف المقطعة في بعض سور القرآن، وفى مفتتح السور التي جاءت فيها- إن هذا أشبه بالوحدة التي يقوم عليها اللحن الموسيقى، والتي يسرى صداها في اللحن كله، من أوله إلى آخره، وإن تعددت أنغامه، وخفتت أو علت أصداؤه.!
فليس من الضروري إذن أن يجتهد في البحث عن معنى لهذه الأحرف المقطعة، ولنا أن نحسبها مطلعا موسقيا، تقوم عليه وحدة النغم في ترتيل آيات السور التي بدئت بحرف أو حرفين أو أكثر.


{ذلِكَ الْكِتابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدىً لِلْمُتَّقِينَ (2)}.
التفسير:
{الكتاب} هو القرآن، وتسمية القرآن كتابا إشارة إلى أن من شأن هذا الكلام أن يكتب ويوثّق، حتى يحفظ من التبديل والتحريف، وهذا ما فعله الرسول الكريم، في كل ما تلقاه وحيا من القرآن، إذ كان صلوات اللّه وسلامه عليه لا يكاد يفرغ من تلقّى ما أوحى إليه من ربّه، حتى يمليه على جماعة عرفوا بأنهم كتاب الوحى.
وأول ما أوحى إلى الرسول من كلمات اللّه قوله تعالى: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ. خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ. اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ. الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ. عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ}.
وانظر إلى تلك المفارقات العجيبة البعيدة بين إنسان أمّى، لا يقرأ ولا يكتب، يصطفيه اللّه للنبوة، ويختاره لرسالة دستورها القرآن الكريم، الذي يتلقاه وحيا من السماء على مدى نيف وعشرين سنة.. ثم تكون {اقْرَأْ} أول كلمة تفتتح بها هذه الرسالة.. ثم تتبع بكلمتي {عَلَّمَ بِالْقَلَمِ}.
وفى هذا ما يؤذن النبىّ بمحتوى جديد من محتويات رسالته، وهو الدعوة إلى القلم والقراءة والكتابة، فذلك من النعم التي أنعم اللّه بها على عباده، إذ سرعان ما أقبل العرب الأميون على القراءة والكتابة، على أنها دعوة من دعوة الدين، ولفتة من لفتات الشريعة، فتعلّموا وعلموا ما لم يكونوا يعلمون.


{الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (3) وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ (4) أُولئِكَ عَلى هُدىً مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (5)}.
التفسير:
تلك هى صفات المتقين.
يؤمنون بالغيب.. والغيب ما خرج عن متناول الحواس، وإدراك العقل.
والإيمان بما يجىء من عالم الغيب، لا معتبر له إلا إذا كان مستنده إلى جهة لا يتطرق الكذب إليها، وإلا كان التصديق بما يخبر به العرافون والكهنة وغيرهم ممن يدّعون علم الغيب. إيمانا، وهو ليس من الإيمان في شىء، وإنما المراد بالإيمان هنا ما يخبر به رسل اللّه وأنبياؤه أقوامهم، من أمر البعث، والحساب، والجنة، والنار، ونحو هذا، مما هو من أنباء الغيب، التي لا تقع لعلم الناس، ولا تستجيب لمدركاتهم.
فأول صفة من صفات المتقين، هى الإيمان بتلك الغيبيات، على الصورة التي يخبر بها الرسل، حيث تلقّوا الأخبار عن تلك الغيبيات، وحيا من اللّه، وهم الأمناء على ما أوحى إليهم من ربّهم.
فلا إيمان لمن لا يؤمن باللّه، ولا إيمان باللّه لمن لا يؤمن برسل اللّه، ولا إيمان برسل اللّه لمن لا يؤمن بما يحمل رسل اللّه من رسالات، وما يبلغون من أوامر ونواه، وما يلقون من أخبار.
وملاك التقوى هو الإيمان، فلا تقوى لمن لا إيمان له، فإذا جاء الإيمان على تلك الصورة، كان داعية لأن يقيم الإنسان على طريق التقوى، وأن يؤهّله لتلك الصفات التي وصف اللّه سبحانه بها المتقين: الذين يقيمون الصلاة وينفقون مما رزقهم اللّه، ويؤمنون بما نزل على محمد، إيمانا مفصلا، وبما أنزل على الرسل من قبله، إيمانا مجملا، ثم ينتهى بهم ذلك الإيمان إلى الإيمان باليوم الآخر، وما فيه من حساب، وثواب، وعقاب وجنة ونار.. وعندئذ يصبح المؤمن المستكمل لتلك الصفات مؤهلا لأن يحسب من المتقين، ويدخل في عدادهم.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8